قضايا اجتماعية

قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء

pictures.ma.07_008

الانسان في الاسلام مكرم بحكم أنه إنسان.هذا الشرف منحه الله تعالى لكل بني آدم حتى لأولئك الذين علم الله وملائكته
أنهم سيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء.والانتساب لآدم وحواء يجعل من الناس كلهم أسرة واحدة تجمعها رابطة
القربى والرحم .كل إنسان مهما اختلفت الصفات والأوصاف إلا ويحمل في داخله نفحة من روح الله التي أودعها الله
لآدم .
هذه النفخة الربانية لا يستأثر بها البعض ويحرم منها آخرون.

 

 

 

 

 

نص الكلمة التي ألقاها الأستاذ محمد وحيد الجابري، إمام وخطيب مسجد الرحمن بمدينة :دبيلت / هولندا، في الحفل الذي جمع ممثلي الأديان الثلاثة ،بتاريخ :01ـ01ـ2005 بكاتدرائية سان ميشال. 

بسم الله الرحمن الرحيم .الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين،نبينا محمد وعلى آله وصحبه،وبعد :يقول الله عزوجل  في سورة الاسراء،الآية 70 :"ولقد كرمنا بني آدم ، وحملناهم في البر والبحر،ورزقناهم من الطيبات،وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا "

الانسان في الاسلام مكرم بحكم أنه إنسان. هذا الشرف منحه الله تعالى لكل بني آدم حتى لأولئك الذين علم الله وملائكته أنهم سيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء . والانتساب لآدم وحواء يجعل من الناس كلهم أسرة واحدة تجمعها رابطة القربى والرحم .كل إنسان مهما اختلفت الصفات والأوصاف إلا ويحمل في داخله نفحة من روح الله التي أودعها الله لآدم .هذه النفخة الربانية لا يستأثر بها البعض ويحرم منها آخرون.وتتشعب الأسرة الانسانية وتتفرق في أنحاء الأرض والخطاب الالهي يلاحقها : "يا أيها الناس إنا خاقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . "( الحجرات 13) وكلمة " لتعارفوا تحمل معنيين :أن يعرف بعضكم بعضا والثاني أن تتعاملوا بينكم بالمعروف .

الهدى الانساني جاء عبرسلسلة طويلة من الرسالات والنبوات آخرحلقاتها اليهودية فالمسيحية فالاسلام . ومن بين مئات الأديان الموجودة في العالم تبقى هذه السلسلة هي المرتكزة على الاعتقاد بالخالق الواحد وبالنبوات وبيوم الحساب والدار الآخرة . فمن الطبيعي أن تكون هذه الأديان الثلاثة أقرب إلى بعضها البعض منها إلى سائر الأديان .ويسمي القرآن اليهود والمسيحيين "أهل الكتاب" لأن الله سبحانه وتعالى أنزل التوراة على موسى والانجيل على عيسى عليهما السلام ، قبل أن يتلقى محمد عليه الصلاة والسلام القرآن ، مصدقا للرسالات السابقة ومفصلا لأمورالشريعة والقانون بجانب العبادات والأخلاق.المساحة المشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب مساحة واسعة. وإذا كان الاسلام قد جعل في قلوب المسلمين متسعا للتعايش مع كافة بني الانسان ففه من باب أولى متسع للتعايش بين المؤمنين بالله.لا يعني هذا التعايش السلمي أننا متفقون في كل شيء . ولذلك فإنه من المفيد للجميع  ، بجانب العلم بالمشترك بيننا ، أن يعلم وبشيء من التحديد نقاط الاختلاف . وذلك حتى نحدد بطريقة علمية مواقفنا من الآخر بدلا من الخضوع لعملية غسل المخ التي تصور لنا أن الآخر شر كله وخطأ كله. وأول الاختلافات بين أتباع اليهودية والمسيحية وبين المسلمين أن سلسلة الرسالات عند اليهود انتهت باليهودية وعند المسيحيين انتهت بالمسيحية ، ويؤمن المسلمون أنها امتدت إلى رسالة محمد عليه الصلاة والسلام.إن عدم الايمان برسالة محمد عندنا أمر عظيم وخطير بل هو أمر فارق . ولذلك نريد أن يكون التعامل بيننا على أساس احترام ما يعتقده الآخر وما يقدسه وما هو عنده خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها. وهذا ما يعلمنا إياه الاسلام ، فنحن نؤمن أن اليهود والنصارى أهل ديانة سماوية حتى وإن لم يكن هذا الاعتبار متبادلا . ويوجد في القرآن من التفاصيل عن بعض الأنبياء ما لا يوجد في غيره من الكتب وذلك حتى يؤمن المسلمون بكل رسل الله وسأضرب لكم مثلا واحدا فقط على ذلك : نبي الله عيسى  ذكر في القرآن في ثلاث عشرة سورة وثلاث وثلاثين آية ، أما والدته فذكرها القرآن اثنتي عشرة مرة .وفي القرآن معجزة بالغة الأهمية لعيسى  عليه السلام لم تذكرها الأناجيل ،وهي أنه تكلم في المهد وهو صبي. والأهمية في ذلك أن مريم لما ولدت عيسى خافت من التهمة التي ستواجهها وقالت  " يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " وكانت قد نذرت صوما بعدم الكلام .نقرأ في القرآن ، في سورة مريم  الآيات 27/28 :

" فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا .يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " هذه تهمة الزنا صريحة. وكانت مريم حسب التوراة (التثنية 22 : 13-27 ) تستحق عقوية القتل ، فما الذي نجاها من ذلك سوى أن تفاجئهم بآية يذهل لها الجميع : وكانت كلام عيسى في المهد " فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا . قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا . وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا . والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ." ( مريم : 30-33.)

حينما سمع النجاشي ملك الحبشة هذه الآيات من جعفر بن أبي طالب ، وكان قد هاجر بأمر من النبي  عليه الصلاة والسلام في وفد من 13 رجلا وامرأتين ضيقت عليهم قريش سبل الحياة من جراء إسلامهم فلم يجدوا لهم أرضا يهاجرون إليها غير الحبشة حيث ذاك الملك المسيحي الذي اشتهر بأنه لا يظلم الناس عنده .. لما سمع النجاشي تلك الآيات من القرآن حول نبي الله عيسى وأمه مريم ، دمعت عيناه ورسم بعصاه خطا على الأرض  وقال :" والله ما بين ديننا ودينكم أكثر من هذا الخط. إنهما يصدران من مشكاة واحدة.

هذه النتيجة القديمة قدم الاسلام تقودنا إلى سؤال لا بد أن نطرحه جميعا : هل الاسلام دين مخيف؟ او بشكل أدق : هل في تعاليم الاسلام ما يخيف الغرب  حتى تشن عليه كل هذه الهجمات ؟ وهنا يحق لنا أن نطرح السؤال بشكل عكسي : هل في المسيحية ما يخيف ؟ وهل في اليهودية ما يخيف ؟ إننا نؤمن  كمسلمين بكافة الكتب السماوية المنزلة من عند الله ونقر بأنها إنما أنزلت لهداية الناس وابتغاء الخير وجلب السعادة لهم في الدنيا والآخرة وبالتالي فإنها لا يمكن بأية حال أن تحمل أية دعوة على العنف أو إرهاب الناس .. لا شيء في الأديان السماوية يخيف الناس أو يرعبهم أو يفرق بينهم.إن رسالة الاسلام للعالمين رسالة سلمية قائمة على أساس التفاهم والتعاون وتقبل الآخر وليست قائمة على حب الصراع او المواجهة ، ولا تعرف في أخلاقها البغض والكراهية.إن الاختلاف سنة من سنن هذا الكون وضرورة من ضرورات الحياة ولذلك فإن من حق كل واحد على الآخر أن يحاوره ويستمع إليه على أن يكون الحوار بالحسنى وبالتي هي أحسن .

" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون "( آل عمران 64.)