خطب ومحاضرات

من دروس قصة المجادلة

المجادلة

إن خولة مثل أيّ فرد داخل ذلك المجتمع تعلم أن لها قيادة يُرجع إليها، ولم يكن يجهل ذلك أي فرد سواء الرجل أوالمرأة أوالطفل.   إن حدوث أي مشاكل زوجية هو أمر طبيعي من سمات البشرلكننا نتعلم من خولة رضي الله عنها أهمية معرفة من له الحق في إصلاح هذا الخلاف، فيحافظ على السر ويحاول حل المشكلة. وليس كما يحصل اليوم للكثير من الأسرالمسلمة.أول ما نستدعي  مكاتب الشرطة او المحامون اوالجمعيات التي تجهل ثقافتنا وتقاليدنا فنفتح لها المجال لتخترق اسرارنا ومن ثم بيوتنا وعوراتنا.

الحمد لله القاهر.خلق الخلق من غير سبق .فطر السماوات والأرض بقدرته،ودبرالنورفي الدارين بحكمته، وما خلق الإنس والجن إلا لعبادته، فالطريق إليه بيّن واضح ، ولكن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله،صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين.أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كلام الله تعالى ،وخيرالهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.أيها المسلمون:

القرآن الكريم هو المركز الذي تدورحوله العلوم اللغوية والشرعية والعقلية.ولذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بتدبرهذا الكتاب الكريم لنفهم مقاصده ونتقن العمل بأحكامه فقال عزوجل :" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها."وليسهل علينا الفهم والتدبرضرب الله لنا الأمثال وقص علينا القصص لاستحضارالعبر والتعرف غلى الأحكام الشرعية. بعض هذه الأحكام جاء واضحا جليا وبعضها لابد فيه من الرجوع لعلوم القرآن وكتب التفسير.ومن هذه العلوم علم أسباب النزول. يقول الواحدي في كتابه أسباب النزول: " لا يمكن تفسيرالآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها ".وقال ابن تيمية: " معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية،فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب." وكدليل على أهمية هذا العلم اخترت لخطبة هذه الجمعة  قصة لصحابية جليلة ،أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت فيه وفي زوجها الآيات الأربع الأولى من سورة المجادلة. وسميت السورة بذلك؛ لأنها افتتحت بقضية مجادلة خولة بنت ثعلبة للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن مظاهرة زوجها أوس بن الصامت وهوأخ الصحابي الجليل عبادة بن الصامت. سورة المجادلة ،هل تنطق المجادِلة بكسرالدال على أنها اسم فاعل أو تنطق المجادَلة بفتح الدال ،كلاهما صحيح فالمجادلة تكون من طرفين،ولكنها بكسرالدال أصدق في حق الصحابية التي جادلت النبي صلى الله عليه وسلم لأنها هي التي بدأت في الجدال . سبب النزول:عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: وَاللَّهِ، فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ صَامِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدْرَسُورَةِ الْمُجَادَلَةِ.قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ.فَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا فَرَاجَعْتُهُ بِشَيْءٍ فَغَضِبَ،فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِأُمِّي.قَالَتْ:ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً،ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي قَالَتْ: فَقُلْتُ: كَلا وَالذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ،لا تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ.قَالَتْ:فَوَاثَبَنِي،وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ،فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ، فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي. ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ،فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْهُ، فَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ مَا أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ.قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ:(يَا خُوَيْلَةُ، ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ).قَالَتْ: فَوَاللَّهِ، مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ،فَتَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ لِي:(يَا خُوَيْلَةُ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صَاحِبِكِ)، ثُمَّ قرَأَ عَلَيَّ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المجادلة:1-4]،فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ :(مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً)، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ ـ يَا رَسُولَ اللَّهِ ـ مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ، قَالَ:(فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ ـ يَا رَسُولَ اللَّهِ ـ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ:(فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ)،قُلْتُ: وَاللَّهِ ـ يَا رَسُولَ اللَّهِ ـ مَا ذَاكَ عِنْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :(فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ)، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَأَنَا ـ يَا رَسُولَ اللَّهِ ـ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: (قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ، فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا)، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ.

أيها المسلمون،الملاحظ في سورالجزء الثامن والعشرين (28) من القرآن الكريم، أنها تركزعلى المشاكل الداخلية اليومية للمجتمع الوليد في المدينة، ، مع الحديث طبعاعن الواقع المحيط بالمسلمين وما يوجد به  من أعداء الدعوة مثل اليهود والمنافقين، فما دلالة هذا؟ دلالته أنه لا يصلح أن نغفل عن مشاكلنا الداخلية حتى لوكانت بسيطة بحجة أن المجتمع أوالأمة تواجه مشاكل ضخمة وكبيرة .الشأن الخارجي مهم والشأن الداخلي أيضًا مهم، والقرآن كان ينزل على النبي  يعالج الأمرين معا. وفي هذه السورة نشهد التوجيه الرباني ينزل في شأنٍ يوميٍ لأسرة صغيرة فقيرة مغمورة لتقررحكم الله في قضيتها. خلاف حياتي عادي وقع بين رجل وامرأته،فحدث بينهما ما يشبه الطلاق،ثم أراد الرجل أن يجامعها فأبت،وذهبت إلى الرسول فشكت إليه وطلبت رأيه في القضية،ولم تقتنع برأيه ،حتى نزل الوحي بآيات الظهار، وبتدبراعمق للايات يمكننا أن نستخرج بعض الفوائد التي تجعل من خولة رضي الله عنها خير دليل عملي على مكانة المرأة في ذلك المجتمع الرباني.

الفائدة الأولى: قدرتها على إدارة الأزمة:لقد أوضحت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها أن سبب المشكلة أنها راجعت زوجها أوس بن الصامت في شيء مما أثارغضبه،فقال لها: أنت عليّ كظهر أمي،أي:محرمة عليّ، وهونوع من الطلاق في الجاهلية، ثم بعد ذلك أراد زوجها أن يباشرها فرفضت، وخرجت ترفع قضيتها وشكواها لرسول الله . لقد تصرفت تصرفًا راقيًا ،تحركت وجادلت، بل صممت على الحل العادل الذي يتوافق وظروف بيتها. ويؤكد ذلك الروايات الصحيحة عن القصة واسم السورة.

الفائدة الثانية: فقهها لأدب الاختلاف: فإذا كان هؤلاء بشر يخطئون ويتشاحنون ويختلفون، فإنه كان يظلل هذا الخلاف ضوابط معينة لم تك لتغيب عن امرأة من ذلك الجيل القرآني الفريد.وهوباب عظيم في التربية. الاختلاف بين البشر سنة ثابتة من سنن الله عز وجل وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُم .إذن لا يحقّ لنا أن نقلق ونضجر أمام المشاكل والخلافات التي تقع،سواء في محيط الأفراد أو في محيط الأسرة الواحدة أو في محيط المؤسسات، ولكن الخطورة هي أن ينقلب هذا الخلاف الظاهري إلى خلاف باطني مذموم، بل محرم، (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم). وهذا دليل على أن المنهج الذي أخرج هذه الأمة الرائدة كان منهجًا واقعيًا، ، يعتبر البشريخطئون ويتعاتبون ويغفرون ويُعاقبون. وخولة رضي الله عنها تصرفت تصرفًا راقيًا حيال هذه المشكلة، فعندما نزل الوحي بالحل لقضيتها وحصلت بحكمتها على أفضل الحلول، كانت رفيقة بأسرتها، وبزوجها حتى وهي في قمة غضبها منه ومن تصرفاته، وهي بذلك تفتح لنا بابًا عظيمًا في التربية، وهو أدب الاختلاف.

الفائدة الثالثة: الورع والخوف من الله تعالى. لقد كان موقف خولة رضي الله عنها عظيمًا وفريدًا عندما حكت عن زوجها عندما خرج وعاد، فقالت: (ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي، قَالَتْ: فَقُلْتُ: كَلاَّ وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ، لا تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ) .تدبروا أحداث تلك الواقعة والملابسات الداخلية التي حدثت بين زوجين داخل بيتهما، وقارنوا بين سلوك زوجها وسلوكها الراقي الورع الذي استوعب أخطاء الزوج من أجل عدم الوقوع فيما يغضب الله تعالى، وتأملوا كيف فقهت أن طاعة الزوج لها حدود، وهي طاعة مبصرة في غير معصية لله عز وجل.

الفائدة الرابعة: فقهها للمرجعية:لقد حملت خولة رضي الله عنها شكواها إلى الحبيب ، فلم تذهب لغيره حتى وإن كانت عائشة رضوان الله عليها.وتأمل كيف أنها انفردت به ولم تشرك أحدًا في حل قضيتها. تقول عَائِشَةَ رضي الله عنها وهي حاضرة للمجلس، قَالَت: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ تُكَلِّمُهُ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا . إن خولة مثل أيّ فرد داخل ذلك المجتمع تعلم أن لها قيادة يُرجع إليها، ولم يكن يجهل ذلك أي فرد سواء الرجل أوالمرأة أوالطفل. إن حدوث أي مشاكل زوجية هو أمر طبيعي من سمات البشرلكننا نتعلم من خولة رضي الله عنها أهمية معرفة من له الحق في إصلاح هذا الخلاف، فيحافظ على السر ويحاول حل المشكلة.وليس كما يحصل اليوم للكثير من الأسرالمسلمة.أول ما نستدعي  مكاتب الشرطة او المحامون اوالجمعيات التي تجهل ثقافتنا وتقاليدنا فنفتح لها المجال لتخترق اسرارنا ومن ثم بيوتنا وعوراتنا.

الفائدة الخامسة: شجاعتها الأدبية وقدرتها على الحوار:لقد ورد عن خولة رضي الله عنها أنها كانت تتمتع بقدرة فائقة على الحوار،حيث عرضت قضيتها بشجاعة وثقة ،وكيف أنها بهذه الصفة قد رفعت عن نفسها بل عن أمة كاملة الحرج والظلم إلى يوم القيامة.تدبّركيف بدأت شكواها وهي تقول كما في بعض الروايات :يا رسول الله،أكلَ مالي وأفنى شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهرمني، اللهم إني أشكو إليك.فقال لها النبي :(حُرِّمْتِ عليه)،فقالت: والله ما ذكرطلاقًا، ثم قالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي ،فقال : (حرمْتِ عليه)،فما زالت تراجعه حتى  نزلت عليه الآية. ومما يدل أيضًا على قدرتها على الحوارما حصل بينها وبين عمربن الخطاب رضي الله عنه فقد مرّ بها عمرفي خلافته والناس معه ،فاستوقفته طويلاً ووعظته،وقالت:يا عمر، قد كنت تدعى عُمَيْرًا،ثم قيل لك:عمر،ثم قيل لك: أميرالمؤمنين،فاتق الله يا عمر،فإنه من أيقن بالموت خاف الفَوْت،ومن أيقن بالحساب خاف العذاب. وهوواقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوزهذا الوقوف؟! فقال: واللهِ، لو حبستني من أول النهارإلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!

الفائدة السادسة: اعتزازها بكرامتها:لقد ورد في أمر خولة رضي الله عنها أن أمها معاذة هي التي أنزل الله فيها قوله عزوجل: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا قال السدي رحمه الله: "نزلت هذه الآية الكريمة في عبد الله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين،وكانت له جارية تدعى معاذة،وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الثواب منه والكرامة له، فأقبلت الجارية إلى أبي بكررضي الله عنه فشكت إليه، فذكره أبو بكر للنبيّ ، فأمره بقبضها،.فخولة رضي الله عنها نشأت متأثرة تأثرًا بالغًا بأمها معاذة التي كانت مجرّد أمة مملوكة،ولكنها لم تك إمعة أو سهلة أمام سيدها الذي أكرهها على الفسق، فرفضت وكان لها موقف زكّاه الله عزوجل فكان سببًا في نزول آية سورة النور.فالآيات التي نزلت في خولة وأمها رضوان الله عليهما تدورحول قوة الشخصية والاعتزاز بالرأي طالما كان على الحق، ومن هنا أهمية التربية الأسرية، وكيف أن الأبناء يتأثرون بالآباء والأمهات، ويحملون الكثيرمن صفاتهم وأخلاقهم. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه...ادعو الله عسى أن تكون ساعة استجابة.

الحمد لله ،

الفائدة السابعة: احترام خصوصية الزوج:هناك إشارة تربوية عظيمة في الحديث الذي ورد عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَت: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ تَشْكُو زَوْجَهَا، وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، فعائشة رضي الله عنها وهي من هي لم تشأ أن يدفعها الفضول لترى أو تتسمع ما يحدث في بيتها بين زوجها وبين أحد الضيوف خاصة عندما يكون امرأة، هذا يبين لنا ، ومدى السمو في العلاقات الزوجية في ذلك الجيل الرباني ، ومدى الثقة التي كانت بين الزوجين.

الفائدة الثامنة: الثقة في القيادة الواعية:عندما حملت خولة رضي الله عنها شكواها إلى الحبيب أخذ الأمر بجدية وحقق في الأمر، وتصرفه إنما يدل على أمور عظيمة منها الضوابط  والشروط التي يجب ان تتوفر في كل قيادة راشدة. تلك الثقة هي التي جعلت من الجميع حتى ولو كانت امرأة ترجع إلي القيادة بشكواها وتطلعها على أسرارها الداخلية.كان على الرغم من مشاغله كحاكم مسؤول عن دولة ، عنده الوقت ليفصل في الأمور الحياتية العادية بين الأفراد دون قيود أو حواجز تحول بينه وبين كل فرد من أمته ليدخل عليه. كان وهو من هو لم يدّع العلم بكل شيء، بل قال رأيه وسمح لخولة رضي الله عنها أن تحاوره حتى نزل الوحي بالحل.عباد الله، بهذا النوع من التدبر لكتاب الله عز وجل نستطيع أن نجد الحلول للكثير من معضلاتنا الفردية والأسرية والمجتمعية. والقراءة التي فهمها الصحابة رضوان الله عليهم لآيات الله وفهمها الجيل الفريد من بعدهم هي قراء ة التدبروليس تلاوة الايات في المناسبات.

تدبروا سورة المجادلة أو" قد سمع " كما يسميها البعض فلا زال فيها من النور ما يضيء الكثيرمن الظلمات .اللهم انفعنا بما علَّمتنا، وعلِّمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويعاف فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر،وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائلها في الله لومة لائم.اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ذ. محمد الجابري

جمعة 30 رجب 1443 / 4 مارس 2022

المركز الاسلامي الصراط / نيوخاين / هولندا