خطب ومحاضرات

القدوة في ذكرى رحيله

محمد

عن ابي موسى الأشعري قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء. قال فجلسنا فخرج علينا فقال ما زلتم هاهنا؟ قلنا يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء . قال أحسنتم أوأصبتم قال فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال: " النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون"

الحمد لله ذي العزة القاهرة والقدرة الباهرة ،الذي أوجدنا من عدم وجعلنا الأمة الوسط بين الأمم .أنزل إلينا القرآن الكريم عصمة للمعتصمين وحجة قائمة للعالمين .لا إلاه إلا هو رب العرش العظيم،وأفضل الصلاة والسلام على صفوة الرسل من العباد وشفيع الخلائق يوم المعاد صاحب المقام المحمود والحوض المورود محمد بن عبد الله ،صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الأخيار.أما بعد: أيها المسلمون لمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين قدرعظيم،فهم يحبونه ويوقرونه ويعظمونه.وهذا الحب لابد أن يقترن بمتابعةٍ لسنته  كما قال الحق سبحانه وتعالى :" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"[آلعمران:31] ومن المعروف أنه لا يوجد شخص أحب نبينا صلى الله عليه وسلم، مثل: حب أصحابه الكرام رضوان الله عليهم. وقد جرت عادة المسلمين منذ مئات السنين على الاحتف بمولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الثاني عشرمن هذا الشهروأول من عَملَه الملك المظفّرفي القرن السادس الهجري ،ولم يزل ذلك معمولا به إلى هذا العصروإن اعتبره البعض ليس من السنة لما يقع فيه من المخالفات حيث اصبح ككثير من المناسبات الدينية احتفالا فلكلوريا اساسه التفنن في الزينة والأكل الشرب وربما ألقيت خطب هنا وهناك وانتهى الأمرفي يوم من الشهر.وباقي أيام السنة ، الدين في واد وحياة المسلمين في واد آخر.سيرة المصطفى وهديه في واد وحياتنا في واد آخر. فهمنا الدين أنه عبادات شعائرية، ولم نفهمه منهجاً كاملاً شاملاً يغطي كل أنواع حركاتنا وسكناتنا، وأن قدوتنا في ذلك كله يجب ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد غيره حتى ندفع عنا عذاب الله فقد قال عزمن قائل : ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ (الأنفال 33) نحن اليوم نعذب أشد أنواع التعذيب،نقتل بسبب وبلا سبب،نهجَّر، يعتدى على حرماتنا وتنتهك أعراضنا وييتم أطفالنا لأننا لم ننتبه ولم نفهم قول الله عز وجل ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾،ومفهوم الآية العام أنه إذا كانت سنتك مطبقة فيهم،  في بيوتهم في تربية أولادهم، في اختيار زوجاتهم، في كسب أموالهم ،في تجارتهم ،في حلهم وترحالهم،في أفراحهم، وفي أحزانهم،إذا كانت حياتهم وفق منهجك وسنتك فلن يسمح الله للطرف الآخر ،أن ينال منا أويذلنا أوينهب خيراتنا أو ينتصر علينا.عباد الله،لنا في هذا الشهر بجانب ذكرى ميلاده ،ذكرى أخرى لانهتم بها ولا نتدارسها في هذا الشهر ، إنَّها حدث وفاته . ففي شهر ربيعٍ الأول وُلدَ النبي ،وفيه هاجر،وفيه لحِق بالرفيق الأعلى. فلماذا نهتم بالحديث عن المولد دون الوفاة ؟ كيف وموته  كانت أخطررزيَّة في الإسلام ،وأعظم مصيبة على هذه الأمَّة، فهي النازلة التي اهتزَّت لها قلوب الرجال ، وانقطع لها الوحي من السماء،وسمع المؤمنون من أعداء الله ما لم يسمعوه في حياته ،وطمع إبليس أن يعيد الناس إلى الجاهليَّة الأولى، وأن يصدَّهم عن الإيمان والقرآن.روى الدارمي والطبراني وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب " صدقت يا رسول الله ،فالمصيبة العظمى حصلت لهذه الأمَّة بوفاتك فمنذ ذلك اليوم والنورالذي جئت به في تناقص ، والعلم الذي بعث به في إدبار،فظهرفي الأمَّة ما أوعدت به من اختلاف القلوب ومن الشرور والفتن والمصائب والمحن.كانت حياته صلى الله عليه وسلم أمانا لهذه الأمَّة. عن ابي موسى الأشعري،قال صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء قال فجلسنا فخرج علينا فقال ما زلتم هاهنا قلنا يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء قال أحسنتم أوأصبتم قال فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال: "النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" قال العلماء:(الأمنة )بفتح الهمزة والميم والأمن والأمان بمعنى.ومعنى الحديث أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية فإذا انكدرت النجوم وتناثرت  في القيامة،وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت .وقوله صلى الله عليه وسلم وأنا أمنة لأصحابي ،فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون  أي من الفتن والحروب ،وارتداد من ارتد من الأعراب،واختلاف القلوب ،وقد وقع كل ذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم:وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون معناه ظهورالبدع ، والحوادث في الدين،والفتن فيه ،وطلوع قرن الشيطان ،وظهورالروم  وغيرهم عليهم ،وانتهاك المدينة  ومكة وغيرذلك . وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم . 

عباد الله ،الثاني عشر من شهر ربيع الأوَّل ،اليوم الذي نحتفل فيه بمولده صلى الله عليه وسلم ،هو نفس اليوم الذي أتى ملكُ الموت ليقبض روحه الطيبة .أزكى الأرواح. وكان أوَّل ما أعلم به رسول الله  باقتراب أجله هو نزول سورة النصر،وذلك في أيَّام التشريق في حجَّة الوداع بثلاثة أشهر قبل وفاته. روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر،فكأن بعضهم وَجَد في نفسه،فقال: لِمَ يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر:إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم،فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نَحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفُتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا،فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت:لا، فقال:ما تقول؟ فقلت: هو أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له،قال: "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ  فذلك علامة أجلك، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا" فقال عمربن الخطاب رضي الله عنه :لا أعلم منها إلا ما تقول.فلمَّا نعيت لرسول الله نفسه بنزول هذه السورة وأُعلم باقتراب أجله أخذ في أشدِّ ما كان من أمر الآخرة،وجعل يعرِّض للناس باقتراب أجله،كأنَّه كان يهيِّئهم لتحمُّل صدمة النبأ بوفاته حين ينزل به الموت. فإنَّه لمَّا خطب في حِجَّة الوداع وذلك بثلاثة أشهر قبل موته قال للناس:(خذوا عنِّي مناسككم ،فلعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا)،وطفق يودِّع الناس، فقالوا:هذه حِجَّة الوداع.ولمَّا رجع من حِجَّته جمع الناس بمكان يقال له:غديرخم، فخطبهم وقال:(أيُّهاالناس، إنَّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتيني رسول ربيِّ ـ يعني ملك الموت ـ فأجيب)،ثمَّ حثَّهم على التمسُّك بكتاب الله، ووصَّاهم بأهل بيته.{مسلم}.فلمَّا كان في آخر شهرصفرأمره الله بأن يستغفرلأهل البقيع،فأتاهم في جوف الليل فدعا لهم،فكأنَّه ودَّع الأحياء والأموات.ثمَّ ابتدأه المرض صبيحةَ يوم الأربعاء آخرَ شهر صفر،وكانت مدَّة مرضه ثلاثة عشر يومًا.وكان أوَّلُ ما ابتدئ من مرضه وجعَ رأسه،فبقي أسبوعًا والألم يتمادى به وهو يدورعلى أزواجه ويقول:(أين أنا غدا؟ أين أنا غدًا؟) يريد يوم عائشة، فلمَّا كان اليوم الثامن من مرضه، وهو يوم الأربعاء السابع من شهرربيع الأوَّل صلَّى بهم صلاة المغرب،وقرأ فيها بالمرسلات عُرفا،وهي آخر صلاة جهريَّة صلاها لهم،فاشتدَّ به الوجع،وهوفي بيت ميمونة، فاستأذن نساءه أن يمرَّض في بيت عائشة، فأذنَّ له، فخرج بين عمِّه العباس وابن عمه علي بن أبي طالب تخطُّ رجلاه في الأرض، حتَّى دخل بيت زوجته عائشة،فلمَّا حضرت صلاة العشاء وجاءه بلال يؤذنه بالصلاة وكان قد ثقل واشتدَّ به الوجع فقال:(أصلَّى الناس؟) قالت عائشة: فقلنا :لا، هم ينتظرونك يا رسول الله،قال:(ضعوا لي ماء في المخضب) قالت: ففعلنا فاغتسل ـ يتبرَّد بذلك من الحمَّى ـ ثمَّ ذهب لينهض فأغمي عليه ،ثمَّ أفاق فقال:(أصلَّى الناس؟) فقلنا: لا،هم ينتظرونك يا رسول الله، فأرسل رسول الله إلى أبي بكرأن يصلِّي بالناس (رواه البخاري).في يوم الخميس الثامن من ربيع الأوَّل قال النبيُّ :(أهريقوا عليَّ من سبع قِرب لم تحلَّ أوكيتهنَّ، لعلِّي أعهد إلى الناس) قالت عائشة: فأجلسناه في مخضب نصب عليه من تلك القِرب حتَّى أشار عليهنَّ أن قد فعلتنَّ، فوجد من نفسه خفَةً، ثمَّ خرج إلى الناس يُهادى بين العباس وعلي،والناس يُصَلُّون الظُّهْرَ خلف أبي بكر، فأراد أبو بكرأن يتأخَّر، فأشار إليه النبيُّ أن مكانك ، ثمَّ أُتي به حتَّى جلس إلى جنبه فصلِّى بهم الظهر، وكانت هذه آخرَ صلاة صلاَّها لهم، وهو جالس وأبو بكر قائمٌ بجنبه يقتدي به ، والناس يقتدون بأبي بكر.ثمَّ جلس على المنبر، وهومعصوب الرأس ، فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال في خطبته:( إنّ الله خيَّر عبدًا بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده ، فاختارذلك العبد ما عند الله)، ففهمها أبو بكرمن بين الناس، فبكى وجعل يقول: بل نفديك بآبائنا وأمَّهاتنا وبأموالنا وأبنائنا.قال أبو سعيد الخدري: فعجبنا لبكائه، فكان رسول الله هو العبد الذي خيَّره الله بين لقائه وبين البقاء في الدنيا،وكان أبو بكر أعلمنا به. في فجريوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام أحدعشر أقبل المؤمنون إلى مسجد رسول الله ، واصطفوا لصلاتهم خلف أبي بكر رضي الله عنه، فبيناهم كذلك رفع رسول الله الستر المضروب على منزل عائشة، وبرز للناس، فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم ابتهاجًا برؤيته ،فأخذوا يفسحون له مكانًا، فأشار بيده أن اثبتواعلى صلاتكم،وتبسم فرحًا بهم ثم رجع وأرخى الستر،واشتد المرض عليه ،فأسندته عائشة رضي الله عنها إلى صدرها، قالت رضي الله عنها:إن من نعم الله علي أن رسول الله توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري ،وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته؛وذلك أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل وبيده سواك يستاك به،فنظر إليه رسول الله، قالت عائشة: فعلمت أنه يريده، فأخذته فقضمته وطيبته ثم دفعته إليه،: فاستن به أحسن ما كان استنانًا، فما عدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أوإصبعه،ثم قال:(في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى،في الرفيق الأعلى)،ثم قبض رسول الله  . ضجت المدينة بالبكاء وكان موته قاصمة الظهرومصيبة العمر،أصيب المسلمون بنبيهم، فمِنْهُمْ مَنِ انْعَقَدَ لِسَانُهُ فَلَمْ يُطِقِ الْكَلَامَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَبِثَ مَكَانَهُ فَلَمْ يُطِقِ الْقِيَامَ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَعِقَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَادَ أَنْ يُوَسْوَسَ.وقام عمرعلى المنبر،وهدد وتوعد،وحذرالناس بأن تلك دعوى أطلقها المنافقون وَكَانَ أَبُوبَكْرٍرَضِيَ اللهُ عَنْهُ خارج المدينة فمَا أنْ سَمِعَ الْخَبَرَ حَتَّى جَاءَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَرَأَى هَلَعَ النَّاسِ وَاضْطِرَابَهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَرَأَى رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُغَطّى بِثَوْب حبرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: "بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! وَاللهِ لَا يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا! أَمّا الْمَوْتَةُ الّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مِتّهَا".ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ وَعُمَرُ قَائِمٌ يُهَدِّدُ وَيَتَوَعَّدُ، فَقَالَ:اجْلِسْ يَا عُمَرُ.وتَكَلَّمَ الصِّدِّيقُ، تَكَلَّمَ رَجُلُ السَّاعَةِ، تَكَلَّمَ بَطَلُ الْمَوْقِفِ، فَقَالَ:أَمَّا بَعْدُ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)آلِ عِمْرَانَ:144) فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ هَذِهِ الْآيَةَ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى مَا حَمَلَتْهُ رِجْلُاه، وَتَيَقَّنَ النَّاسُ الْخَبَرَ فَضَجُّوا بِالْبُكَاءِ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ. قال ابن عباس: فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها، ثم غُسل رسول الله وكُفن، وصُلي عليه، ودُفن يوم الثلاثاء في مكانه الذي توفي فيه؛ لقوله : (ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض)

الحمد لله، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد: انتقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيد الخلق وإمام المتقين إلى الرفيق الأعلى بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده .والعقل البصيرلابد أن يعتبر بهذا الحادث العظيم كل اعتبار، ومن عبره أنه لن يفلت من الموت أحد مهما كان شرفه وعلا قدره وذاع أمره فما مشى على ظهر الأرض أبر ولا أطهر منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومع ذلك مات، وقال سبحانه مخاطباً نبيه: إنك ميت وإنهم ميتون .فليتق الله الغافلون المنهمكون في معاصيهم وليستعدوا للموت وليأخذوا له أهبته فإنهم ميتون. ومن عبره أن البلاء العظيم في الدنيا هو سبب ترفع به درجات المؤمن عند ربه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت يا رسول الله:إنك توعك وعكاً شديداً.قال:أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم.قلت:إن لك أجرين. قال: نعم والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها) رواه البخاري ومسلم.ومن عبره الكلمات التي نطق بها رسول الله  وهو يعالج سكرات الموت وكثيراً ما يحتفي الناس بآخر كلمة قالها ميتهم وهو ميتنا جميعاً صلى الله عليه وسلم فلنع ولنسمع آخر كلماته صلى الله عليه وسلم ووصاياه ثم لننظرأين نحن منها.روى البخاري ومسلم أن من أواخركلامه قوله:( قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)،ومن أواخر كلامه:(لا يبقين دينان بأرض العرب) فأين أمة الإسلام اليوم من أواخر كلماته،أين البراءة التامة من اليهود والنصارى،أين البراءة من اتخاذ القبورمساجد الذي شاع وذاع.أين تطهير جزيرة العرب وأرضها من أن يجتمع فيها دينان؟ وفي صحيح مسلم مما قاله صلى الله عليه وسلم وهو يموت:(لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى) ،وقد بين أهل السنة والجماعة أن حسن الظن بالله جل وعلا ينبغي أن يغلب على الخوف عند الموت، ومن أواخر كلماته صلى الله عليه وسلم ما رواه الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: (كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم وجعل يكررها حتى جعل يغرغر بها وما يفصح بها لسانه) إن الصلاة اليوم تشكو إلى الله من كثرة من هجرها من أبناء المسلمين ،لا أقول تركها مع الجماعات بل تركها بالكلية حتى تجد بعض الناس بين أبناء المسلمين يعيش  ويقوم ويأكل ويشرب ولا يؤدي الصلاة ويزعم أنه يحب رسول الله . بقول حبيبك :(المرء يحشر مع من أحب) ولكن الحب وحده لا يكفي،والعاطفة وحدها لا تبلّغك المقصود هذا الحبّ يجب أن يترجم إلى تعظيم لسنته  والعمل بها واتخاذه أسوة حسنة في أقوالنا وأفعالنا، في معاملاتنا داخل البيوت وخارجها ،مع أبنائنا وأزواجنا ومع بعضنا البعض،وهذا لا يتحقق إلا بدراسة لسيرته وتعليمها وترسيخها في أذهان الشباب وهذا أعتبره فرض عين على المسلمين فقد أمرنا ربنا أن نقتدي به ونتأسى بعمله صلى الله عليه وسلم  فقال عز من قائل :{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا  }(الأحزاب 21) فصلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار.اللهم اجزنبينا عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأوفره، اللهم وآته الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، وأوقفه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد.اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلِّغنا به جنَّتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا، اللهم متِّعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوَّاتنا ما أحييتنا، واجعلهم الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا".اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا وذرياتنا، وتُب علينا إِنك أنت التَّوَّاب الرحيم،اللهم صل وبارك علي محمد وعلي آل محمد كما صليت وباركت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم انك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق و ذي النورين عثمان  وأبى السبطين على وعن بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

محمد وحيد الجابري
جمعة 22 ربيع الأول 1440 / 30 نونبر 2018
المركز الإسلامي نيوخاين / هولندا