خطب ومحاضرات

الصراحة من أسباب الألفة

29669.jpg

الصراحة خير من النفاق والمجاملة بالباطل. بعض الناس يضيق صدره إذا واجهه الآخرون بالصراحة فيغضب وينفعل مما يجعل الآخرين يحجمون عن مصارحته ومناصحته. ولو كان عاقلا لعلم أن المصارحة والمناصحة خيرمن الغش والنفاق وإظهار الرضا مع إخفاء البغض والكره له ولأفعاله. العقلاء والصالحون يطلبون الصديق الناصح  ويحرصون عليه لعلمهم أنه أحد أسباب نجاتهم في العاجل والآجل.

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وأتم علينا النعمة بأعظم منهاج شرع، منهاج الإسلام، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، اللهم صل وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم، وعلى آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، أما بعد، فيا أيها الأخوة المسلمون ،
جل تعاليم الإسلام إنما جاءت لتربية الفرد والأسرة ومن ثم المجتمع على فضائل الأخلاق.وقد تطرقنا في خطب سابقة لكثير من هذه التعاليم والهدف كان ولا زال أن نغير من سلوكنا ومعاملاتنا حتى نرضي ربنا أولا بالتزام تعاليم الإسلام كلها وليس فقط ما تشتهيه أنفسنا وأهواءنا ،وثانيا حتى نعيد للإسلام صورته النقية الصافية التي يحاول أعداء الإسلام تشويهها حسدا من عند أنفسهم ،ويساعدهم على ذلك للأسف من المسلمين من لم يفهموا روح هذا الدين فضيعوه بين الإفراط والتشدد والتفريط والتسيب.لذلك لابد من النصيحة ولابد من التناصح حتى نساهم جميعا في إعادة الوجه المشرق للدين الخاتم الذي جاء به الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال:" الدين النصيحة".بهذه الكلمة البسيطة العظيمة ربى الإسلام أهله على قول الحق وإن كان مرا،رباهم على الصراحة مع القريب والبعيد. والصراحة في اللغة هي الوضوح والخلوص من الالتواء،ويعرفها بعضهم بقوله: (إظهار الشخص ما تنطوي عليه نفسه ، من غير تحريف و بحيث تكون أفكاره واضحة جلية ، وبحيث توافق أفعاله أقواله..) والنبي صلى الله عليه وسلم ربي أصحابه على هذا النهج ،على الصراحة. فعند بيعة العقبة وقبل أن تتم البيعة قام أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالا (يعني اليهود) وإنا قاطعوها،فعل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟عندئذ أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم: "بل الدم الدم ،والهدم الهدم.أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم".فلم نجد منه غضبا أو تبرما أو انفعالا أو إنكارا على هذا الرجل بسبب صراحته ، إنما وجدنا تعظيما لهذا الخلق في نفس هذا الرجل والأمة من ورائه.وحين صلى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة رباعية ركعتين قال له ذو اليدين بكل أدب وتوقير واحترام وصراحة أيضا:يا نبي الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟. فقال صلى الله عليه وسلم: "لم أنس ولم تقصر".عندئذ أجاب الصحابة رضي الله عنهم بكل صراحة:بل نسيت يا رسول الله. فلم يعنفهم ولم يعتب عليهم ولم يشعر بالحرج، فأكمل الصلاة وسجد للسهو.فأين أصحاب المسؤوليات اليوم في بلداننا من هذا الخلق؟ هل يتحملون صراحة الأتباع كما كان يتحملها رسول الله صلى الله عليه و سلم؟.ولما أشيع أن رسول الله أهدر دم رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه الصحابي الجليل عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قائلا: يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل لك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس ،فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. بهذه الصراحة والوضوح واجه هذا الصحابي الجليل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان جوابه: " بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا". عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قام رجل يأمره بتقوى الله عز وجل فاعترض بعض الحاضرين ، فقال عمر رضي الله عنه : دعوه فليقلها ،لا خير فيكم إذا لم تقولوها ، ولا خير فينا إذا لم نقبلها.يجب أن نساعد الناس على المصارحة ، ولا نشدد عليهم إذا صارحونا بما في أنفسهم وإن كانت الصراحة في بعض الأحيان تعبيرا عن ضعف بشري ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فإنه لما جاءه بشير بن الخصاصية رضي الله عنه يبايعه وافق بشير على كل شيء إلا الجهاد والصدقة، وكان مما قال يومئذ:أما الجهاد فإني رجل جبان وأخاف إن حضر القتال أن أخشع بنفسي فأفر فأبوء بغضب من الله.فلما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا بشير: لا صدقة ولا جهاد فبم إذن تدخل الجنة؟بايعه بشير على كل شيء.فانظر كيف تقبل الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة هذا الرجل ولم يعلق على وصفه نفسه بالجبن بلفظ يجرحه أو يؤذيه. بعض الناس ينطلقون من مفاهيم مغلوطة في هذا الموضوع فبعضهم يرى أن من لوازم الصراحة سوء الأدب ؛ فتجده غليظا شديدا إذا نصح ،يستعمل الألفاظ الجارحة والكلمات النابية فلا يأتي نصحه بخير؛لأنه أخطأ الطريق بل أفسد وهو يريد الإصلاح.وقد رأيتم من الأمثلة السابقة كيف أن الصراحة كانت مقترنة بأدب كبير وحرص شديد على مشاعر الآخرين مما يجعل النفوس تتقبل النصيحة بصدر رحب.ومن المفاهيم المغلوطة أيضا الخلط  بين المداراة والمداهنة ، فترى البعض يقر المنكر ويعاشر الفاسق ولا ينطق بكلمة بحجة المداراة أو مراعاة المصالح والمفاسد مع أن الفرق بين المفهومين كبير،فالمداراة كما ذكرها العلماء خلق من أخلاق المؤمنين يعني خفض الجناح للناس، ولين الكلمة،وترك الإغلاظ لهم في القول.وذلك من أقوى أسباب الألفة والترابط. في حين أن المداهنة كما بينها العلماء هي معاشرة الفساق وإظهار الرضا بما هم فيه من غير إنكار عليهم.و هذا السلوك محرم في شريعتنا.الصراحة خير من النفاق والمجاملة بالباطل. بعض الناس يضيق صدره إذا واجهه الآخرون بالصراحة فيغضب وينفعل مما يجعل الآخرين يحجمون عن مصارحته ومناصحته. ولو كان عاقلا لعلم أن المصارحة والمناصحة خير من الغش والنفاق وإظهار الرضا مع إخفاء البغض والكره له ولأفعاله. العقلاء والصالحون يطلبون الصديق الناصح ويحرصون عليه لعلمهم أنه أحد أسباب نجاتهم في العاجل والآجل .روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكرت عنده امرأة بسوء وقد غاب زوجها فبعث إليها فقالت: يا ويلها ،ما لها ولعمر، فبينما هي في الطريق ضربها الطلق لخوفها من عمر فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين ثم مات ،فاستشار عمر أصحابه فأشار بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب. وعلي رضي الله عنه جالس لا يتكلم فأقبل عليه عمر قائلا ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، إن ديته عليك؛ لأنك أفزعتها فألقته. فضمن عمر دية الجنين.بهذه الصراحة كانت الحقوق لا تغمط ولا تؤكل،وكان أصحاب الحقوق يأخذون حقوقهم. إخوة الإسلام ،خلق الصراحة لا يكفي طبعا لنضمن الأخوة والمودة والمحبة بين الأفراد بل لا بد من أخلاق أخرى أوصى بها الله ورسوله. ما أجمل أن يعيش الإنسان بين قوم يحبهم ويحبونه، ويألفهم ويألفونه، وحين يفقد الإنسان هذا الحب في بيئته ومجتمعه فإنه يعيش في جحيم وتعاسة وإن ملك الدنيا كلها؛ لذلك لم يكن غريبًا أن يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس". صحيح أن رضا الله تعالى هو قصد المسلم وأمنيته، لكن ليس هناك تعارض بين السعي في رضا الله تعالى والفوز بمحبة الناس؛ بل إننا على يقين أننا لن نفوز بمحبة الناس حقًّا إلا إذا أحبنا الله تعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله تعالى إذا أحب عبدًا وضع له القَبول في الأرض، وإن أبغض عبدًا نفرت منه قلوب الناس. تأملوا معي هذا الموقف العجيب من الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه حين يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيسأله الدعاء لكن بماذا؟ أبمال وعيال؟ أبمنصب أو جاه؟ لا والله إنما قال: ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبِّب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين". ومن نظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وجده مثالاً رائعًا للتودد والتحبب إلى الناس بتواضعه ورقته ولينه معهم وصدق الله العظيم الذي قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ( آل عمران159) فقد كان إذا لقيه أحد أصحابه فقام معه لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحدٌ من أصحابه فتناول يده ناوله إياها، فلم ينزع يده من يد الرجل حتى يكون الآخر هو الذي ينزع يده، وإذا لقي أحدًا فتناول أذنه ناوله إياها ثم لم ينزعها حتى يكون الرجل هوالذي يفرغ من كلامه..إن التحبب إلى الناس يحتاج بعد توفيق الله إلى فقه في معاملتهم، ولو عملنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق". لكفانا. ويؤكد هذا المعنى ما رواه أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟ فقال: "أفضل الإيمان أن تحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله" قال: وماذا يا رسول الله؟ قال: "أن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، وأن تقول خيرا أو تصمت". وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه". وقد مدح الله أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9).فمع أنهم هم الذين آووا المهاجرين وواسوهم بل وقاسموهم الأموال وأعانوهم ونصروا الرسول وبذلوا أموالهم وأرواحهم لنصرة هذا الدين لم يجدوا في صدورهم شيئا حين فضل الله المهاجرين ، وفوق ذلك لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم، قالوا: هذه أموالنا، اقسمها بيننا وبين إخواننا المهاجرين اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، فرفض النبي عليه والصلاة والسلام إلا بأن يعمل المهاجرون ويشتركوا مع الأنصار في الثمر.كما أنهم لما عرض عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخصص لهم أموال البحرين قالوا: لا حتى تشرك إخواننا المهاجرين. فأي نفوس هذه التي جادت وسمت حتى أبت أن تأخذ مما أحل الله لها حتى يشترك بقية المسلمين فيها؟!.ومن هذا الباب وجدنا أسلافنا يحبون الخير للمسلمين وإن نأت ديارهم وتباعدت أوطانهم ، يقول عبد الله بن عباس : إني لأسمع بالغيث أصاب بلدا من بلدان المسلمين فأفرح وما لي بها سائمة.ومن محبتهم الخير للآخرين لم يبخلوا عليهم بنصح وأن ظن أنه يمنعهم شيئا من مكاسب الدنيا ، فهذا محمد بن واسع رحمه الله يذهب إلى السوق بحمار ليبيعه فيقف أمامه رجل يريد شراء الحمار فيسأل محمد بن واسع : أترضاه لنفسك؟ فيقول محمد بن واسع : لو رضيته لنفسي ما بعته.أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن إمامنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، ورضي الله عمن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد،،، لا يكره الخير للمسلمين إلا أحد ثلاثة: الأول: رجل يسخط قضاء الله ولا يطمئن لعدالة تقديره سبحانه فهو يريد أن يقسم رحمة ربه على حسب شهوته وهواه ، ولو اتبع الحق هواه لما أذن هذا الساخط على أقدار الله لغيره أن يتنسم نسيم الحياة: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً) (الاسراء:100).نعم لو كان الأمر لهؤلاء ضعاف النفوس ضعاف الإيمان لحجبوا عن الناس كل خير ، ولكن :(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف:32) ومثل هذا المعترض على حكمة الله والمتسخط على أقدار الله ليس من الإيمان في شيء، إنما هو من أتباع إبليس في الدنيا والآخرة.الثاني: رجل أكل الحقد والحسد قلبه، فهو يتمنى زوال النعمة من عند الآخرين ولو لم تصل إليه، وهو دائما مشغول بما عند الآخرين: زوجة ،راتب ،سيارة ،بيت ،ولد ،علم. فهذا في غم دائم وعذاب لا ينقضي. ومثل هذا يحتاج للتذكير بنهي الشرع عن الحسد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :  "لا تحاسدوا ..." ويقول الله تبارك وتعالى:(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء:54) ولو علم هذا الحاقد أن حقده وحسده لا يغير من أقدار الله شيئا لأراح نفسه ولشغلها بما يصلحها بدلا من شغلها بالناس وما آتاهم الله من فضله.الثالث: رجل أذهلته شهوة طبعه عن سعة فضل الله تعالى فيخشى إذا زاحمه الناس على الخير ألا يبقى له حظ معهم، وهذا من الجهل، فخزائن ربنا ملأى : "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه". (رواه البخاري ).والله عز وجل يقول في الحديث القدسي:"يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر..." (رواه مسلم).فحري بنا أن نوطن أنفسنا وندربها على محبة الخير للآخرين ، وأن نحرص على إيصال النفع لهم .والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

                                                                                                                             ذ. محمد الجابري
                                                                                                            جمعة 5 صفر 1428 / 23 فبراير 2007
                                                                                                                         مسجد الرحمن ـ دبيلت / هولندا